کد مطلب:168072 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:240

لماذا کان الاخبار بمقتله؟
(إنَّ أخبار الملاحم والفتن المأثورة عن أهل بیت العصمة (ع) عامة وعن رسول اللّه (ع) خاصة فضلاً عن أنّها تؤكّد علی أنّ علم هؤلاء المصطفین الاخیار(ع) علمٌ لدنیُّ ربّانیُّ كاشف عن مكانتهم الالهیة الخاصة المنصوص علیها من قبل اللّه تعالی، تؤكّد أیضاً علی مدی حرصهم الكبیر علی رعایة هذه


الامّة وإنقاذها من هلكات مدلهمّات الفتن التی أحاطت بها منذ بدایة التیه فی یوم السقیفة.

لقد كان رسول اللّه (ع) یعلم مدی الانحراف الذی سیصیب الامّة من بعده ویلقی بها فی متاهات تنعدم فیها القدرة علی الرؤیة السدیدة إلاّ علی قلّة من ذوی البصائر، ویصعب فیها تشخیص الحقّ من الباطل إلاّ علی من تمسّك بعروة الثقلین، وكان (ع) یعلم خطورة حالة الشلل النفسی والازدواجیة فی الشخصیة التی ستتعاظم فی الامة من بعده حتی لایكاد ینجو منها إلاّ أقلّ القلیل.

لذا لم یألُ(ع) جهداً فی تبیان سبل الوقایة والنجاة من تلك الهلكات، ومن جملة تلك السبل سبیل إخبار الامّة بملاحمها وبالفتن التی ستتعرّض لها إلی قیام الساعة، فكشف لها (ع) عن كلّ الملاحم والفتن، وأوضح لها مزالق وعثرات الطریق إلی أن تنقضی الدنیا، یقول حذیفة بن الیمان (ره): واللّه ما ترك رسول اللّه (ع) من قائد فتنة إلی أن تنقضی الدنیا بلغ من معه ثلاثمائة فصاعداً إلاّ قد سمّاه لنا بإسمه وإسم أبیه وإسم قبیلته! [1] .

وذلك لكی لاتلتبس علی الامّة الامور، ولاتقع فی خطاء الرؤیة أوانقلابها فتری المنكر معروفاً والمعروف منكراً! [2] إضافة إلی ما یتضمّنه بیان الملاحم للامّة من دعوة إلی نصرة صفّ الحق وخذلان صفّ الباطل بعد تشخیص كلٍّ من الصفَّین.


وقد اختُصَّ قتل الحسین (ع) بنصیب وتركیز أكبر فی الاخبارات الواردة عن النبیّ (ع) وعن أمیرالمؤمنین (ع)، وذلك لعظیم حرمة الامام الحسین (ع)، ولنوع مصرعه المفجع ومصارع أنصاره، ولشدّة مصابهما بتلك الوقعة الفظیعة والرزیّة العظیمة، [3] ولاهمیّة واقعة عاشوراء بلحاظ ما یترتّب علیها من حفظ الاسلام وبقائه، ولاهمیّة المثوبة العظیمة والمنزلة الرفیعة المترتّبة علی نصرة الحسین (ع)، واللعنة الدائمة والعقوبة الكبیرة التی تلحق من یقاتله ویخذله.

ولعلّ قرب عاشوراء الزمنی من عهد النبیّ (ع) وعلیّ (ع)عامل أیضاً من عوامل هذا التركیز، لانّ النبیّ (ع) ووصیّه (ع) یعلمانا أنَّ جماعة غیر قلیلة من الصحابة والتابعین سوف یدركون یوم عاشوراء، فالتركیز علی الاخبار بمقتله (ع) ومخاطبة هؤلاء مخاطبة مباشرة بذلك یؤثّران التأثیر البالغ فی الدعوة إلی نصرته (ع)، والتحذیر من الانتماء إلی صف أعدائه، مع ما فی ذلك من إتمام الحجّة علی هؤلاء الناس آنئذٍ، ولذا كان رسول اللّه (ع) یخاطب الباكین معه لبكائه علی الحسین (ع) خطاباً مباشراً فیقول لهم: (أیها الناس، أتبكونه ولاتنصرونه!؟)، [4] ویخاطب علیُّ (ع) البراء بن عازب قائلاً: (یا براء، یُقتل ابنی الحسین وأنت حیُّ لاتنصره). [5] .


وفی المقابل فقد انتفع بهذا الاخبار جمع من أهل الصدق والاخلاص من الصحابة والتابعین، فقد روی الصحابیّ الجلیل أنس بن الحارث رضوان اللّه تعالی علیه عن النبیّ(ع) أنه قال: (إنّ ابنی هذا وأشار إلی الحسین یُقتل بأرض یُقال لها كربلاء، فمن شهد ذلك منكم فلینصره.)،ولمّا خرج الامام الحسین (ع) إلی كربلاء خرج معه الصحابی الجلیل أنس بن الحارث رضوان اللّه تعالی علیه، واستشهد بین یدی الحسین (ع). [6] .

ولعلّ سرّ التحوّل فی موقف زهیر بن القین رضوان اللّه تعالی علیه ما كان یحفظه من قول سلمان الفارسیّ رضوان اللّه تعالی علیه وإخباره عن بشری نصرة الامام الحسین (ع)، یقول زهیر: (سأحدّثكم حدیثاً، إنّا غزونا البحر ففتح اللّه علینا وأصبنا غنائم، فقال لنا سلمان الفارسی رحمه اللّه: أفرحتم بما فتح اللّه علیكم وأصبتم من الغنائم؟ فقلنا: نعم.فقال: إذا أدركتم سیّد شباب آل محمّد(ع) فكونوا أشدّ فرحاً بقتالكم معهم ممّا أصبتم الیوم من الغنائم). [7] .

و(قال العریان بن الهیثم: كان أبی یتبدّی، [8] فینزل قریباً من الموضع الذی كان فیه معركة الحسین، فكنّا لانبدوا إلاّ وجدنا رجلاً من بنی أسدٍ هناك.

فقال له أبی: أراك ملازماً هذا المكان؟؟

قال: بلغنی أنّ حسیناً یُقتل هاهنا، فأنا أخرج إلی هذا المكان لعلّی أصادفه


فأقتل معه!! قال ابن الهیثم: فلمّا قُتل الحسین قال أبی: انطلقوا بنا ننظرهل الاسدیُّ فیمن قُتل مع الحسین؟ فأتینا المعركة وطوّفنا فإذا الاسدیّ مقتول!). [9] [10] .



[1] راجع: سنن أبي داود: 4:95، حديث 4243.

[2] عن النبيّ: (كيف يكم إذا فسدت نساؤكم وفسق شبابكم،ولم تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر!؟، فقيل له: ويكون ذلك يا رسول اللّه؟! فقال: نعم، وشرٌ من ذلك! كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف!؟ فقيل له: ويكون ذلك!؟ قال: نعم، وشرٌ من ذلك! كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكراً والمنكر معروفاً!؟). (راجع: الكافي: 5:59، كتاب الجهاد حديث رقم14).

[3] عن الامام الصادق (ع): (لمّا أن هبط جبرئيل علي رسول اللّه (ص) بقتل الحسين، أخذ بيد عليّ فخلا به مليّاً من النهار) فغلبتهما عبرة فلم يتفرّقا حتّي هبط عليهما جبرئيل أو قال رسول رب العالمين فقال لهما: ربّكما يقرئكما السلام ويقول: قد عزمت عليكما لمّا صبرتما.قال: فصبرا) (راجع: كامل الزيارات: 53، باب 16، حديث رقم1)، وهذا حديث من الاحاديث الكثيرة الكاشفة عن عظم رزية الحسين (ع) علي قلب رسول اللّه (ص) وقلب أميرالمؤمنين (ع).

[4] راجع: مثيرالاحزان: 19.

[5] راجع: الارشاد: 192.

[6] راجع: تأريخ ابن عساكر (ترجمة الامام الحسين (ع) / تحقيق المحمودي: 239،حديث 283.

[7] الارشاد: 246.

[8] يتبدّي: يخرج إلي البادية.

[9] تاريخ ابن عساكر / ترجمة الامام الحسين (ع) / تحقيق المحمودي: 212، حديث 269.

[10] الجزء الاوّل من هذه الدراسة: (الامام الحسين (ع) في المدينة المنوّرة): 204- 208.